جريدة الرياض اليومية
الجمعة 7 ربيع الآخر 1427هـ - 5 مايو 2006م - العدد 13829
محمد عبدالوهاب حلمي المطرب والملحن والمدرس
أطلق عليه مطرب الملوك والأمراء لعلو قدره واعتزازه بمنزلته الفنية
نجد في الوسط الموسيقي أكثر من محمد عبدالوهاب: الأول هو الموسيقار المطرب والملحن الأستاذ محمد عبدالوهاب محمد أبو عيسى، المرحوم محمد عبدالوهاب حلمي المطرب والملحن ومدرس التربية الموسيقية،
محمد عبدالوهاب عبدالفتاح المدرس بالمعهد العالي القومي للموسيقى (الكونسيرفاتوار) والمؤلف الموسيقي الذي عزفت له أوركسترا القاهرة السيمفونية بعض مؤلفاته.
ونتحدث في موضوعنا هذا عن محمد عبدالوهاب حلمي الذي ولد في عام 1916 في بني سويف، ومحمد عبدالوهاب الذي ولد في مارس 1902م بباب الشعرية وهو حي في مصر.
ولد المطرب والملحن محمد عبدالوهاب حلمي في بني سويف بمنزل والده كان يهوى ترتيل «القرآن الكريم»، ولما حضرت الأسرة إلى القاهرة التحق محمد عبدالوهاب حلمي بمدرسة محمد علي الابتدائية بالسيدة زينب، ثم ظهرت ميوله الفنية المتعددة فالتحق بكلية الفنون التطبيقية بقسم النحت صباحا، وفي نفس الوقت التحق بالفرع المدرسي لمعهد الموسيقى العربية بقسم الأصوات.
ومن الطريف أنه زامل في المرحلتين الراحل «أحمد صدقي» المطرب والملحن الكبير المولود أيضاً في عام 1916م، ومن المصادفات العجيبة أن يكون محمد عبدالوهاب حلمي هو الدافع والرائد لأحمد صدقي في دراسة الموسيقى فقد كان محمد عبدالوهاب حلمي يصطحب معه زميله أحمد صدقي في الحفلات الأسرية التي كان يشترك فيها محمد عبدالوهاب حلمي بالغناء ولقد ذكر أحمد صدقي في أحاديثه بالراديو والإذاعة والتلفزيون انه كان يعمل كمردد (عضو كورس) مع صديقه وزميله محمد عبدالوهاب حلمي، كما ذكر أحمد صدقي أن غناء محمد عبدالوهاب لألحان السيد درويش أثناء عملهما في أتيليه مدرسة الفنون التطبيقية هو الذي حبب صدقي في الموسيقى عامة وفي التلحين خاصة.
تخرج محمد عبدالوهاب حلمي في معهد الموسيقى وعين مدرساً للتربية الموسيقية في مدرسة الكولار الابتدائية بالحلمية ثم بمدرسة خليل آغا الابتدائية بباب الشعرية ثم بمدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية للبنين.
عند افتتاح الإذاعة اللاسكلية للحكومة المصرية كان الأستاذ الراحل مدحت عاصم مديراً فنياً شرفياً لها وكان يشجع المواهب الجديدة فسمح للطالب محمد عبدالوهاب حلمي أن يشترك بالغناء في البرنامج العربي وكانت تصاحبه فرقة مصطفى العقاد الموسيقية، وكانت الإذاعات وقتئذ تتم على الهواء مباشرة قبيل استخدام شريط ماركوني للتسجيل.
بدأت الشهرة تزحف إلى محمد عبدالوهاب حلمي وخاصة لقرب اسمه من اسم الموسيقار محمد عبدالوهاب، وقد رآه، الراحل زكي طليمات في إحدى حفلات مدارس وزارة المعارف العمومية فاختاره لكي يقوم ببطولة مسرحية (يوم القيامة) أمام المطربة رجاء عبده في عرضها الأول بمسرح الأزبكية وأمام المطربة فتحية أحمد في عرضها الثاني بدار الأوبرا المصرية القديمة عام 1943م.
اشترك محمد عبدالوهاب حلمي في تلحين أوبريت (يوم القيامة) مع الراحل الشيخ زكريا أحمد ونجحت ألحان رواية يوم القيامة. أضيف بعض ألحان في عرض مسرحية يوم القيامة الثالث في أوائل الستينيات على مسرح الجمهورية لحنها الراحل المطرب والملحن سيد مصطفى.
أسرة فنية
نستطيع أن نعتبر أسرة محمد عبدالوهاب حلمي من الأسر الفنية فوالده الشيخ حسن حلمي كان له صوت جميل وخاصة في ترتيله لآيات الكتاب الكريم، ولمحمد عبدالوهاب حلمي شقيقة ذات صوت حسن هي المطربة «حفصة حلمي» ولمحمد عبدالوهاب حلمي نجل واحد يهوى التصوير هو المحاسب «مدحت محمد عبدالوهاب حلمي» الذي ولد عام 1943م قبيل رحيل والده في 8 مارس عام 1944م فقد رحل محمد عبدالوهاب حلمي في شرخ الشباب في الثامنة والعشرين بعد أن ثبتت قدماه في عالم الموسيقى ورسخت في مجال التلحين والطرب.
أما الصفحة المطوية للواء محمد عبدالوهاب، فقد ثار جدل طويل حول تاريخ ميلاده، فالبعض قال إنه سنة 1910م، والبعض الآخر قال إنه من مواليد 1902م إذ ليس من المعقول قيامه بالعمل مع منيرة المهدية وتلحين الأغاني وعمره سبعة عشر عاماً.
توفي في 3 مايو 1991م. ولد لأسرة متوسطة الحال، إذ كان أبوه فلاحاً من قرية بني عياض مركز أبو كبير، محافظة الشرقية، اسمه الشيخ محمد أبو عيسى. ومن الثابت أن الأسرة كانت من الأسر الدينية، فإلى جانب كون والده مزارعاً، إلا أنه أيضاً كان مؤذناً وقارئاً للقرآن، رحل الوالد إلى القاهرة وعمل في جامع سيدي الشعراني بحي باب الشعرية.
كان عبدالوهاب ثاني أبناء الأسرة الخمسة، وهم حسن، ومحمد، وأحمد، وبنتين هما عائشة وزينب.
كان محمد عبدالوهاب.. يسمى في مطلع حياته الفنية مطرب الملوك والأمراء، لعلو قدره واعتزازه بمنزلته الفنية والحرص على كرامته وكرامة إخوانه الفنانين واشتراكه في مجالس وجوه القوم وعلية الناس، وكان يضحي بإقامة الحفلات الكبرى ولا يكترث بما يصيبه من خسارة مالية في سبيل الاحتفاظ بكرامته والدفاع عن إخوانه المشتركين في التخت الموسيقي وحدث أن انسحب من إحياء إحدى الحفلات الكبرى عند أحد الأعيان عندما شعر أن خدشاً قد أصاب كرامة زملائه الفنانين وكان يمنح زملاءه في التخت إعانات مالية سخية حتى يظهر تخته جديراً بأن يحمل اسمه اللامع ومجده الفني، وظل يحافظ على رسالته الفنية ودعوته الموسيقية إلى أن توفاه الله دون تردد أو إحجام.
معجباً بشبابه
كانت أحلى ندواته ومجالسه في بيت أمير الشعراء أحمد شوقي الذي أطلق عليه كرمة بن هانىء في الجيزة بالقرب من حديقة الحيوان. وكان عبدالوهاب لا يزال في ذلك الوقت معجباً بصوته وشبابه.. وكان يرسل سوالفه إلى منتصف خديه.. ويرتدي بنطلونه الضيق من الأطراف عند الحذاء وياقته المنشاة التي يضمها رباط العنق الأسود الجميل.. وكان عبدالوهاب يطرب كلما تجمع حوله المعجبون وهم يقولون يا عبد؟؟ يا عبد..
وكان أمير الشعراء يحرص كل الحرص على دعوة عبدالوهاب إلى مجالسه، وسر كل السرور عندما كتبت إحدى المجلات الفنية، منذ أكثر من ربع قرن تقول عنه (المصور في 6 يناير عام 1928م):
«إن عبدالوهاب هو الموسيقي الشهير والفني العبقري والثمرة الناضجة لنادي الموسيقى، والبلبل الذي يهز القلوب بنغماته، وينعش النفوس بنبراته. يبكي العيون إذا ناح من آلام البعاد، ويشرح الصدور إذا شدا بأهازيج الوصال، وهو في فنه يمزج شعره الرقيق بمقاطع الغناء كما تمزج الراح بالماء.. فيجعل السامعين في نشوة الطرب والإعجاب. وصوت عبدالوهاب ليس من الأصوات المعلقة بل هو صوت حنون شجي يميل كثيراً إلى ما تجود به عبقرية أمير الشعراء من راقي الغزل ورقيق النسيب، ويلحن لنفسه ولغيره، ويستعير من الموسيقى الغربية، مع المحافظة على الموسيقى الشرقية، أدخل الهارموني في أدواره وهي خطوة في تقدم الموسيقى الشرقية وهو كثير التموجات في آهاته».
وحمل عبدالوهاب وقتذاك هذه القصاصة من المجلة، إلى كرمة بن هانئ والفرحة لا تسعه، وقضى الليل في بشر وإيناس مع جمع الأدباء والشعراء.
ولما عقد قران نجل أمير الشعراء الأستاذ علي شوقي، كان عبدالوهاب نجم الحفلة اللامع، وبدأت الحفلة بأوركسترا شركة ترقية التمثيل العربي برئاسة الأستاذ عبدالحميد أفندي علي أنور ثم قصيدة مضناك جفاه مرقده يغنيها محمد بك عزب ثم قطعة غناء أفرنجية على فيولنسل للأستاذ أدوارد أفندي فارس، ثم فاصل موسيقي للأستاذ محمد عبدالوهاب.
وكان القسم الأول من غناء عبدالوهاب موال (قلبي غدر بي) نظم أمير الشعراء أحمد شوقي، ثم دور قديم، وكان القسم الثاني من نظم أمير الشعراء أيضاً وتلحين وغناء محمد عبدالوهاب ويشتمل على ما يأتي:
موال قلبي ما حد آسي
دور يا ليلة الوصل استنى افرح ببدري واتمتع
نشيد الزفاف (دار البشاير مجلسنا)
قصائد...
وقد جاء في موال حسن أفندي أنور:
كوكب سعودك ظهر في وقت ما هليت
واستبشر اللي كتب اسمك على البيت
ما حد خلف مثالك في الشرف والبيت
أنت الأكابر جدودك وأنت مثل أمير
للشعر والفن في عصره ورب البيت
أما محمد عبدالوهاب فقد استهل نشيد الزفاف بقوله:
دار البشاير مجلسنا
وليل زفافك مؤنسنا
إن شاقة تفرح يا عريسنا
وإن شاء الله دايما نفرح بك
وكان محمد عبدالوهاب يصاحب أمير الشعراء أحمد شوقي في كثير من غدواته وروحاته وكان يقتبس من محيط أدبه وبحر معارفه، ويتزود من أعذب أشعاره، وجميل خياله، وبديع معانيه، وكان عبدالوهاب يعرض على أمير الشعراء آراءه في الفن والموسيقى فيهتز لها أمير الشعراء طرباً، ويلمح أمارات النجابة واضحة جلية على مخايله، وحدث أن سافر محمد عبدالوهاب مع أمير الشعراء أحمد شوقي إلى لبنان وخاضا بين أرباض لبنان ورياضها وجاسا بين اوديتها وصعدا روابيها، واستمتعا بالطبيعة الخلابة الجذابة بين أحضانها، فتركت هذه الرحلة في نفس عبدالوهاب أثراً جليلاً لا ينسى وزادته التصاقاً باستاذه أحمد شوقي كما زادته تعرفاً على مواطن الفتنة ومهابط الجمال.
وتشاء الأقدار أن يعلم محمد عبدالوهاب وهو في لبنان بوفاة والده فيشتد حزنه ويزداد جزعه لأنه انتقل إلى رحمة الله دون أن يراه ولكن حبه نما على الأيام لوالدته وظل لها ابناً باراً رحيماً، وكان يجد في صوتها وهي تناديه حلاوة أحلى من حلاوة الموسيقى، ونغماً أطرب من غنات الملائكة، وغدت أمه وحيه وإلهامه، وسحره وأحلامه.
وحدثت لعبدالوهاب مفارقات عجيبة وهو في صحبة أمير الشعراء أحمد شوقي إذ تتبع خطاهما شابان وهما يسيران في الطريق وأوشكا أن يقتلاهما لولا أن توقفا في اللحظة الأخيرة وهما يشهران مسدسيهما نحوهما واتضح أن الشابين كانا ينويان اغتيال عبدالخالق ثروت، فأخطآ السبيل لما بين عبدالخالق ثروت وأحمد شوقي من شبه كبير، وقد أدرك الشابان هذه الحقيقة في النهاية فأخليا سبيلهما وهما يرتعدان من الخوف والفزع.
هذا طرف من حياة عبدالوهاب منذ ربع قرن وهي فترة حبيبة إلى نفس عبدالوهاب لا يذكرها إلا ويبعث من أعماقه زفرة حادة طويلة وتتراءى مواكب الذكرى أمام عينيه فقد كانت بداية مجده الفني ونبوغه في عالم الغناء..!
رابط الخبر :
http://www.alriyadh.com/2006/05/05/article151832.htmlهذا الخبر من موقع جريدة الرياض اليومية
www.alriyadh.comجميع الحقوق محفوظة لمؤسسة اليمامة الصحفية 2007