Tuesday, March 4, 2008

حفل موسيقى يابانى مصرى


ارسل هذا الموضوع الى صديق WORD - حفظ حفظ نسخ - Copy بحث ارسل برأيك الى كاتب المقال نسخة قابلة للطباعة إشترك في تقييم هذاالموضوع إضافة إلى المفضلة المساعدة ؟ غلق


حفل موسيقي ياباني مصري قليل من الفن .. كثير من الضجر

أحمد عبد الرازق أبو العلا ahmedahmed159@hotmail.com الحوار المتمدن - العدد: 540 - 2003 / 7 / 11
موسيقي الوسائط الإلكترونية فيحفل موسيقي ياباني مصري قليل من الفن .. كثير من الضجر كتب العالم الموسيقي ( هند رسون ) emily anderson تفسيرا لجماليات الموسيقي في كتابه " ماهي الموسيقي الجيدة ؟" كتب يقول : ( إن القوانين التي تحكم وتشرح علاقة الحواس البشرية بالفن الموسيقي ، ينتمي بعضها إلى الجانب العقلي والفكري ، والبعض الآخر منها إلى الجانب العاطفي ، فالحواس تكون دائما في خدمة كل من العقل والعاطفة وعليها أن تطيع متطلباتها لأن الحواس البشرية وسيلة ، وليست غاية ، فكل الحواس التي تستقبل الجمل الموسيقية تنتمي إلى مادة الفن ، وهذه المادة تخدم الفكر والشعور ) يأتي هذا الكلام بمناسبة الحديث عن الحفل الموسيقي الذي قدمته أوركسترا القاهرة السيمفوني تحت عنوان عام ( تناغم) - في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية - وهو حفل ياباني مصري بمصاحبة موسيقي الوسائط الإلكترونية تحت قيادة د. محمد عبد الوهاب عبد الفتاح ، قدمت فيه خمس مقطوعات موسيقية ، ثلاث منها يابانية ، واثنتان من مصر ، خرج بما قدمه عن المألوف والمفهوم ، والواقعي ، وقدم مقطوعات لا تناغم فيها - كما أراد من عنوانه - بقدر ما قدم إزعاجا موسيقيا إذا صح العبير ، هذا الإزعاج الموسيقي يدور في دائرة التغريب ، أي أنك كمتلقي تشعر أنك غريب عن ما تسمعه وما تراه، وأن ما تراه وما تسمعه – بالتالي- أصبح غريبا عنك ، هذا الشعور ينتابك في تلك المقاطع الموسيقية التي استخدمت فيها الوسائط الالكترونيه ، التي يتحدثون عنها ، والسؤال الآن أليست الآلة الموسيقية وحدها ، وبالعازف الماهر الموهوب الذي يقف وراءها كافية لإثارة المتعة والدهشه لدي المتلقي ؟؟ ، وهل نحن في حاجة إلى هذا التشويش الذي يضيع القدرة علي التلقي ؟؟ وكيف تكون العلاقة سوية بين حواس المتلقي البشرية ، وبين ما يتلقاه ، ؟ وكيف تستقبل الحواس هذا التشوش الذي يسمي ادعاء ( تناغما ) ، وهو في حقيقة الأمر نشاز لا تستريح له الأذن ، الأذن العادية ، والأذن المدربة علي السمع .. فعلي سبيل المثال في المقطوعة التي قدمت بعنوان (قصر الشوق ) وهو قالب موسيقي يسمي (رقصة ) رأينا تنويعات مرئية من فيلم ( قصر الشوق ) الذي أخرجه : حسن الإمام في عام 1967 عن رواية ( نجيب محفوظ ) ، هذه التنويعات المرئية ، التي استخدمت فيها شاشة عرض كبيرة في خلفية المسرح ، تعرض عليها شرائح فيلمية بواسطة الفيديو بريجكتور ، واخري تم عرضها علي شاشة التلفزيون بواسطة الفيديو ، هذه التنويعات تمت بمصاحبة المقطوعة الموسيقية الراقصة ، هذا فضلا مقاطع من حوارات الفيلم ، وكان هذا من العوامل التي ساعدت إلى حدوث تشوش كبير في عملية الاستقبال ، فكيف يتسنى لك سماع الموسيقي وسماع الحوار الفيلمي ومشاهدة اللقطات الكبيرة المعروضة علي الشاشة ، وكذلك مشاهد ( نادية لطفي ) الراقصة في الفيلم المعروض علي شاشة التلفزيون ؟؟ كل هذا في وقت واحد ، لابد أن تملك إذن أكثر من عينين ، واكثر من أذنين ، لكي تستطيع استقبال كل هذا !! هذا الزحام ، لا تبرره الرغبة في الخروج عن المألوف باستخدام الوسائط الأخرى ، لأن عملية الاستمتاع والإحساس بالموسيقي لا تتطلب كل هذا الحشد من العناصر الفنية التي لا يربطها أي رابط ، ولا تستطيع الوصول بنا إلى هدف محدد سوي إزعاجنا ، أو فرارنا من المسرح لكي ننجو بأنفسنا من الضجيج ، وعلي ذكر الضجيج ، تأتي المقطوعة الثانية التي قدمها ( محمد عبد الوهاب ) تحت عنوان " علي أجنحة الهواء " لتحدث ضجيجا أكثر ، دفع بعض الحضور إلى سد آذانهم خوفا عليها !!! لقد جاءت مجرد ارتجالات موسيقية مصاحبة لأصوات الهواء ، ولوحات فيلمية تعرض صورا للفضاء والطبيعة في لحظة فورانها ، بينما علي شاشة أخري نري الإوز الطائر يحلق في الفضاء ، وكان الموسيقيون في هذا العرض يجلسون وسط الجمهور ، والبعض الآخر يتواجدون فوق خشبة المسرح ، وكل هذا الخلط يتم بلا مبرر فني أو موضوعي ، مما أحدث جلبة كبيرة ، وتشوشا أكبر ، ولم يعطي للأذن فرصة لأن تسمع ، ولا للعين فرصة لكي تري ، ولا للعقل فرصه - ثالثة - لكي يفهم ، وعلي الرغم من أننا نعرف أن الأوركسترا تعني الجزء الفاصل بين مقاعد الجمهور وخشبة المسرح ، وهو حفرة الموسيقي في دار الأوبرا ، وهي المكان الذي يجلس فيه العازفون بين الصف الأول من مقاعد المشاهدين ، وخشبة المسرح ، إلا أننا نري - أمامنا - شيئا آخر تماما غير هذا ونتساءل : لماذا تواجد العازفون وسط الجمهور وعلي مقاعدهم ؟؟ الخروج علي القواعد المتعارف عليها لا تحكمه ضرورة فنية ، ولا ضرورة من أي نوع ، سوي إعطاء الإحساس بأن ثمة شيء يحدث .. ما هو هذا الشي .. لا أحد يعلم إلا الذين قاموا بصنعه !!!! فالمعني في باطنهم لن يفصحوا عنه أبدا ، لأنهم ربما لا يعلمون - هم أيضا-شيئا. عنه!! أما عن المقطوعات الموسيقية اليابانية ، فقد ذهبت وأنا مهيأ تماما لسماع ما كنت أود أن اسمعه من تلك الموسيقي ، التي لا نعرف عنها الكثير هنا في مصر ، لكنني لم أسمع منها شيئا ، ربما بسبب تلك الوسائط التي استخدموها ، فأضاعت تلك الروح التي تُعطي للموسيقي حياتها ، فبدت بلا روح ، بلا حياة ، مقطوعات تصيبك بالملل الشديد ، لرتابتها ، وإيقاعاتها الطويلة .. ثلاث مقطوعات موسيقية يابانية الأولي بعنوان ( ضجيج يوتا – 2003 ) قدمتها المؤلفة الموسيقية اليابانية ( أساكومياكي ) التي درست الموسيقي في مدرسة " توهو جاكوئين" باليابان وأكاديميتي INA- GRNوIRCAM بباريس ، وقدمت هذه المقطوعة مع الأوركسترا ، والصور المرئية ، والأصوات الالكترونيه ، وربما كانت هذه المقطوعة - بالفعل - مقطوعة جميلة موحية ، حيث قامت المؤلفة بتحويل الأصوات الواقعية التي قامت بتسجيلها للكهنة ( تويا) والطبيعة ، ثم أعادت تسجيلها إلكترونيا ، فبدت في صورة جديدة أحدثت تأثيرا مختلفا ، وتلك حيلة فنية لجأت إليها لتُحدث بها التأثير المرجو ، ونجحت في ذلك ، إلا أن الصور المرئية التي صاحبت المقطوعة ، لم تعط دلالة محددة ، وشعرنا أن الموسيقي تسير في واد ، والصور تسير في واد آخر ، التناغم الذي ينبغي أن يكون موجودا فقد معناه ، وهي تقول عن مقطوعتها ( إنها معنية بالتعبير عن العملية التي يصل بها المخ البشري إلى تكوين صورة هي خليط من الذكريات والدلالات الممثلة هنا بمجموعة من الوسائط المتشابهة ) ، هذا الذي تقوله ، يجعل المتعة الذهنية في الخلفية تماما ، وربما يتبدل بحالة من الضيق ، نحن في غني عنها ، أقول هذا لأنني استمتعت - بالفعل - بمحاولتها استلهام بعض العناصر الواقعية الحياتية الطقسية ، وتحويلها إلى عناصر فنيه موحية ، وجميلة .. والمقطوعة الثانية التي ألفها ( هيرويوكي ياماموتو ) بعنوان ( تابيولاتا) اعتمدت علي أربع آلات منفردة تسمع من خلال السماعات ( الفلوت – الفيولينه – الفيولا – التشيللو) ، بالإضافة إلى بيانو مسجلة عليه بعض أعمال موسيقي آخر اسمه ( ساتوكو) ، وكلمة ( تابيولانا ) معناها الطبقات ، حيث إن المؤلف قدم مقطوعته في ثلاث طبقات : الأولي هي العرض الحي للأوركسترا ، والثانية هي الأصوات الناشئة عن الآلات الأربع لعازفي الأوركسترا ، والثالثة هي تلك التي تم بثها عبر السماعات والميكرفونات .. كل هذا بهدف أن يدرك المستمع الفرق بين الأصوات الموسيقية في كل طبقة ، وتلك محاولة ، تبدو وكأنها تنطوي علي جانب تعليمي ، ليس من الضروري للمستمع أن يخضع له ، فقد جاء لكي يستمتع ، قبل أن يتعلم ، التدريب أولا علي الاستماع ، ثم التعليم ، وليس العكس ، نحن لا نريد لمستمع الموسيقي أن يهرب من الوهلة الأولي ، نريد إقناعه أولا بالاستماع . والمقطوعة الثالثة التي ألفها ( ماسيو هيروميوا ) مقطوعة تغريبية تماما ، لا حياة فيها ، ولا طعم لها ، تصيبك بضجر وملل شديدين ، بسبب تلك الرتابة التي تستمر لفترة طويلة جدا ، جملة موسيقية واحدة طويلة ، إيقاعها بطيء جدا ، مستمرة ، تريد أن تتوقف لكنها تأبي علي الاستجابة ، فتتململ علي مقعدك ، وتحاول الهروب من القاعة لكنك لا تستطيع ، وهذا الكمبيوتر الذي يرسم لك علي الشاشة حركة الذبذبات اللحنية ، يصيبك أيضا بالملل ، ويدفعك للتساؤل : ما الذي يعنيه هذا ، ولماذا نضع أمام المستمع حركة ذبذبات الموسيقي الرتيبة لكي يراها علي الشاشة؟‍ ، أليس من حق حواسه الأخرى أن تستريح ؟؟ ألا يكفي أن نؤرق أذنيه ، فنتجه إلى عينيه ، لكي نُحدث بهما ألما نتيجة لمشاهدة عبث لا طائل من ورائه ؟؟ قالوا في ورقة العرض أنها مستلهمة من طقوس التراث الياباني القديم ، ولكي لا أتهم نفسي بالغباء ، توجهت بسؤال أصدقاء لي من اليابان أستوضح منهم الأمر ، فنفوا أن تكون هذه من طقوس التراث الياباني من بعيد أو من قريب !! هذا التغريب الذي لاحظناه في معظم المقطوعات الموسيقية في هذا الحفل ، يعود - في اعتقادنا - إلى مجموعة من الأسباب منها : أن معظم الموسيقيين المشاركين في التأليف الآن ، يقومون باستيراد الثقافة والقيم الغربية ، حيث إن معظمهم درس في فرنسا وإنجلترا ، فضلا عن أن غزو الموسيقي الأوربية الجديدة أثر تأثيرا بالغا علي قوميتها، أي ارتباطها بشعوبها ، وبعادات وتقاليد البشر في كل منطقة من مناطق العالم ، وتبعا لاختلاف الثقافات .......اختلاف الثقافات أمر طبيعي جدا ، لكن غير الطبيعي هو هذا التماهي بين الثقافات ، الذوبان ، ليس في صالح الشعوب التي تملك حضارة متميزة ، وحضارة الشرق التي تنتمي إليها مصر ، واليابان ، حضارة لا تتطلب إعطاء الفرصة للذوبان في الآخر ، الآخر الذي لا يملك تلك الخصوصية ، التي ينبغي علي من يملكها أن يتمسك بها ، ولا يتخلي عنها مهما كان الثمن ، فأنت لن تستطيع الوقوف علي قدمين ثابتتين إلا إذا استطعت الدفاع عن هويتك ، وثقافتك الوطنية ، والموسيقي جزء مهم جدا من ثقافة الشعوب ، وإلا ما الذي يجعلنا نندهش ونطرب حين نستمع إلى موسيقي الغجر ، أو الموسيقي الأندلسية علي سبيل المثال ؟؟ الذي يجعلنا نندهش هي تلك الخصوصية ، التي تُميز شعبا عن شعب ، وتُميز ثقافة عن ثقافة ، لعل النظام العالمي الجديد ومفهوم القرية الكونية ، المراوغ ، وهيمنة القطب الواحد هو الذي أدي بفنوننا إلى الاغتراب عن الناس أي أنها لا تستطيع التعبير عنهم بالشكل الأمثل ، حين لا تجد نفسك في فنونك الموسيقية وغيرها ، تشعر بغربة شديدة ، مثل غربة الذين يعيشون خارج أوطانهم ، ومن الخطأ أن يعتقد البعض أن القومية ضد العالمية ، لأن نجاح الموسيقي القومية ، يكمن في قدرتها علي مخاطبة المستمع في الداخل والخارج ، ماذا لو أن الموسيقي التي شاركت في هذا الحفل كانت - بالفعل - موسيقي يابانية خالصة ، أو مصرية خالصة ؟ الهدف كان سيتحقق ، والمعرفة كانت ستحدث ، والتقاء الثقافات كانت فرصته قائمة .. الثقافتان اليابانية والمصرية في تناغم ، هذا ما كنت أود أن أفهمه من كلمة تناغم ..

No comments: